الرئيسة العلم في حياتناعلوم معرفية العلم صندوق أسرار علينا فتحه مهما كلف الأمر

العلم صندوق أسرار علينا فتحه مهما كلف الأمر

0 تعقيبات 102 مشاهدة 2 دقائق قراءة

لطالما حذّرتنا القصص الرمزية مثل قصة زرقاء اليمامة من عواقب السعي وراء المعرفة التي لا يدركها الناس، ولكن هل هناك حقًّا أفكار يجب كبتها خوفًا من نتائجها؟ يرى بعض الناس أنَّ بعض النظريات قد تكون خطيرة لدرجة تستدعي رفضها، حتى إن دعمتها الأدلة. ومع ذلك، يبقى فتح صناديق المعرفة خيارًا لا غنى عنه لتقدّم العلم.

كثيرًا ما نسجت الحكايات الشعبية والأساطير قصصًا تحذر من تجاوز حدود المألوف، ومن مغبة السعي وراء المعرفة حين تكون محفوفة بالمخاطر؛ ففي كل ثقافة نجد حكايات تحذر من ‏الفضول الزائد، وتنهى عن‏ التوغل في المجهول. لكن، هل يمكن أن تكون بعض الأفكار – في واقعنا المعاصر – خطرة فعلًا إلى درجة تبرر الإحجام عنها، أو تمنع من السعي إلى اكتشافها؟
الإجابة تتوقف على مَنْ نسأل؛ فعندما طرح غاليليو غاليلي ‏Galileo Galilei‏ فكرته المخالفة للعقيدة السائدة آنذاك، والتي تقول إن الأرض ليست مركز الكون، بل تدور حول الشمس، تعاملت الكنيسة الكاثوليكية بقسوة مع تلك الفكرة التي هددت تعاليمها. أدى ذلك إلى تأجيل القبول بنظرية مركزية الشمس بضعة قرون، ولم تعترف الكنيسة بأنها أخطأت في الحكم عليه… حتى عام 1992.
وهكذا، لا يمكن لقمع الأفكار سوى تأجيلها، خصوصًا إذا ثبتت صحتها لاحقًا. ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أنه يجب رفض نظرية مقترحَة في علم الوعي، نظرًا إلى ما قد تثيره من إشكالات حساسة، مثل حقوق الأجنة، أو الكيانات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حتى مع وجود أدلة تدعمها.
صحيح أننا بعيدون كل البعد عن صرخات محاكم التفتيش والاتهامات بالهرطقة، ولكن رفض فكرةٍ علمية، بناءً على تبعاتها المُحتمَلة، يثير قلقًا مشروعًا. ومازال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه النظرية، المعروفة باسم ’نظرية المعلومات المتكاملة’ Integrated Information Theory، تمثل النهج الصحيح لفهم الوعي، إلا أن التخلي عنها في هذه المرحلة المبكرة سيكون تسرعًا غير مُبرَّر.
لنأخذْ مثلًا تاريخ الفيزياء الحديثة، وكيف أسهمت أبحاث بعض الفيزيائيين في بلورة مفاهيم مهدت لتطوير القنبلة الذرية؛ ففي عام 1939، وجّه ألبرت أينشتاين Albert Einstein، بمشاركة عدد من العلماء، رسالة إلى الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت Franklin Delano Roosevelt، حذَّروه فيها من احتمال أن يكون علماء في ألمانيا النازية قد بدأوا بالفعل العمل على تطوير مثل هذه القنبلة، وهو ما شكَّل حافزًا رئيسًا لإطلاق مشروع مانهاتن Manhattan Project الأمريكي لصنع السلاح النووي.
ومن المفارقات أنَّ أينشتاين ندم لاحقًا على إرسال تلك الرسالة؛ إذ شعر أنَّ هذه الخطوة أدّت إلى قصف هيروشيما وناغازاكي. ومع ذلك، يصعب الجزم بأن تحذيره لم يكن مبرَّرًا. العلم، في جوهره، هو رحلة مستمرة لفتح صناديق الأسرار الخطرة التي قد تخفي في جوفها إمكانات للخير والشر ‏معًا. ويمكن للعلماء بذل قصارى جهودهم لتوجيه ما توصلوا إليه من ‏معارف نحو ما يظنونه الصواب، لكن إبقاء تلك الصناديق مغلقة سيكون خيارًا أقل حكمة، ويحدّ من آفاق تقدم البشرية.

أدخل تعقيبك

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين استخدامك للموقع فقط. نفترض أنك موافق على ذلك، ولكن بوسعك إلغاء موافقتك إن كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد...

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط

متصفحك مفعِّل لمانع الإعلانات!

شكرًا لدعمك لبوابة العلوم والتقانات من خلال تعطيل مانع الإعلانات!