المحرر البيئي 
يشير تقرير صدر قبل ثلاث سنوات عن الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للصليب الأحمر إلى أنَّ موجات الحرارة الشديدة قد تتجاوز في العقود المقبلة ما يستطيع الجسم البشري تحمله، وهذا ما يتأكد كلَّ يوم.
حذَّرت الأمم المتحدة والصليب الأحمر في تقريرها الصادر في 2022.10.10 من أنَّ مناطق بأكملها من العالم ستصبح غير صالحة للعيش خلال العقود المقبلة بسبب موجات الحرارة التي ستصبح أكثر تواترًا وشدة تحت تأثير تغير المُناخ.
الحدود الفسيولوجية
قبل أقل من شهر من انعقاد مؤتمر COP27، الذي عُقد في مصر، دعت الأمم المتحدة والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (FICR) في تقرير مشترك إلى الاستعداد لموجات الحرارة القادمة لتجنب وقوع عدد كبير من الوفيات. وتشدد هذه المنظمات على أن هناك حدودًا لا يمكن للأشخاص المعرضين للحرارة والرطوبة الشديدة تجاوزها للبقاء على قيد الحياة، وأن هناك أيضًا حدودًا لا يمكن للمجتمعات تجاوزها للتكيف.
وكتبت المنظمتان: ”وفقًا للمسارات الحالية، قد تصل موجات الحرارة إلى هذه الحدود الفسيولوجية والاجتماعية وتتجاوزها خلال العقود المقبلة، لا سيَّما في مناطق مثل الساحل الجنوبي لصحراء الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وجنوب غرب آسيا“. وستؤدي هذه الحالة إلى ”معاناة وخسائر في الأرواح على نطاق واسع، ونزوح السكان وتفاقم التفاوتات المجتمعية“، كما حذرت المنظمتان.
الخطر الجوي الأكثر فتكًا
وفقًا للتقرير، تشكل موجات الحرارة الشديدة الخطر الجوي الأكثر فتكًا في جميع المناطق التي تتوفر فيها إحصاءات موثوقة تقريبًا. وهي تقتل بالفعل آلاف الأشخاص كل عام وستصبح أكثر فتكًا مع تفاقم تغير المُناخ، وفقًا للتقرير الذي أعده مارتن غريفيث (Martin Griffiths)، الرئيس السابق لوكالة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وجاغان تشاباغين (Jagan Chapagain)، الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
تعدُّ موجات الحرارة سببًا في بعض أكثر الكوارث فتكًا على الإطلاق. ويذكر التقرير الخسائر الفادحة التي خلفتها موجة الحرارة التي ضربت أوروبا في عام 2003 وأودت بحياة أكثر من 70 ألف شخص، وموجة الحرارة التي ضربت روسيا في عام 2010 وأودت بحياة أكثر من 55 ألف شخص. ووفقًا للتقرير، يتوقع الخبراء معدلات وفيات مرتبطة بالحرارة الشديدة ”تضاهي في حجمها، بحلول نهاية القرن، جميع أنواع السرطان“.
هذا العام، عانت مناطق أو بلدان بأكملها في شمال إفريقيا وأستراليا وأوروبا وجنوب آسيا والشرق الأوسط من درجات حرارة قياسية، وكذلك الصين وغرب الولايات المتحدة.
”القاتل الصامت“
يذكر التقرير أن الحرارة الشديدة هي ”قاتل صامت“ ستتفاقم آثاره، مما يشكل تحديات هائلة للتنمية المستدامة ويخلق احتياجات إنسانية جديدة. ”لا يملك النظام الإنساني الوسائل الكافية لمواجهة أزمة بهذا الحجم بمفرده. نحن نفتقر بالفعل إلى الأموال والموارد اللازمة للاستجابة لبعض أسوأ الأزمات الإنسانية التي نشهدها هذا العام“، شدد السيد غريفيث في مؤتمر صحفي.
وتدعو المنظمات إلى الاستثمار بشكل عاجل وكبير ومستدام للتخفيف من آثار تغير المُناخ ودعم التكيف على المدى الطويل للسكان الأضعف في مجتمعاتهم.
ووفقًا لدراسة استشهد بها التقرير، سيزداد عدد الفقراء الذين يعيشون في ظروف حرارة شديدة في المناطق الحضرية بنسبة 700% بحلول عام 2050. ومن المتوقع أن تشهد غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط أعلى معدلات الزيادة. ”تؤدي أزمة المناخ إلى تفاقم حالات الطوارئ الإنسانية في جميع أنحاء العالم. ولتجنب آثارها المدمرة، يجب أن نستثمر بقدر متساوٍ في التكيف والتخفيف، لا سيما في البلدان الأكثر عرضة للخطر“، بحسب قول السيد تشاباغين.
وتشدد الأمم المتحدة والصليب الأحمر على أنه من المهم بالقدر نفسه الاعتراف بأن للتكيف مع الحرارة الشديدة حدوده. فالبعض من التدابير المتخذة، مثل زيادة استخدام أجهزة التكييف التي تستهلك الكثير من الطاقة، مكلفة وغير مستدامة بيئيًّا وتساهم هي نفسها في تغير المُناخ. وإذا لم تُخفض انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن تغير المُناخ ”جذريًّا“ فإنَّ العالم سيواجه ”مستويات حرارة قاسية لم يسبق لها مثيل“، كما تحذر المنظمتان.
