يمكن أن تكون ردود الفعل التحسسية الشديدة سريعة ومميتة. كشفت دراستان جديدتان أجريتا على الفئران، ونشرتا بتاريخ 2025.08.07 في مجلة ساينس Science، عن خطوة أساسية في هذه السلسلة المريعة من الأحداث. علاوة على ذلك، تشير النتائج المستخلصة منهما إلى وجود دواء يمكن أن يمنع حدوثها.
الحساسية المفرطة Anaphylaxis هي رد فعل تحسسي يهدد الحياة ويحدث عادةً بسبب لسعات الحشرات والأدوية والأطعمة مثل الفول السوداني أو البيض. بعد التعرض لمسبِّب الحساسية، قد يبالغ جهاز المناعة في ردِّ فعله، مما يؤدي إلى تورم وصعوبة في التنفس وانخفاض خطير في ضغط الدم.
من المفاجئ بعض الشيء أنَّ هذا المسار البحثي لم يُدرس بهذه الدقة
بمجرد بدء هذه التفاعلات الشديدة، يمكن إيقافها باستخدام الإبينفرين epinephrine، الذي يُعطى إما عن طريق الحقن أو، بدءًا من عام 2024، عن طريق رذاذ الأنف. يساعد هذا الهرمون في فتح المسالك الهوائية وتقليص الأوعية الدموية، من بين أمور أخرى. لكنه لا يعمل دائمًا.
وتقول عالمة المناعة تامارا هاك (Tamara Haque) من كلية الطب بجامعة إنديانا في إنديانابوليس: ”لا يعالج الإيبينفرين الحساسية المفرطة إلا بعد حدوثها. نحن بحاجة إلى علاجات لمنع حدوث هذه الحساسية الشديدة قبل أن تبدأ“.
من خلال دراسة فئران تظهر عليها أعراض الحساسية المفرطة بعد التعرض المتكرر لمسببات الحساسية الغذائية، حددت الدراسات الجديدة إشارة رئيسة في الأمعاء تؤدي إلى حدوث الحساسية المفرطة، وهي جزيئات تعرف باسم الليكوترينات leukotriene.
في الأمعاء، تنتقل أجزاء من الطعام عبر غشاء معوي لتصل إلى مجرى الدم، حيث يمكن أن تسبب الحساسية المفرطة. تحدث هذه الاستجابة المفرطة بفضل الخلايا البدينة mast cells، وهي خلايا مناعية واقية تستشعر الأخطار، الحقيقية أو المتصوَّرة، وتحثُّ الجسم على الاستجابة. وقد وجدت إحدى الدراسات أنَّ الليكوترينات تساعد في تنظيم هذه الرحلة عبر غشاء الأمعاء.
وتقول ستيفاني آيزنبارث (Stephanie Eisenbarth)، الباحثة في علم المناعة في كلية الطب في جامعة نورثوسترن فيينبرغ في شيكاغو والمشاركة في تأليف إحدى الدراسات البحثية: ”بمجردإدراكنا للمسار الذي كنا ندرسه، أصبح من الواضح على الفور كيف يمكننا منعه“؛ فعدم النقل يعني عدم حدوث الحساسية المفرطة، حسب المنطق. تقول آيزنبارث: ”ما لم تكن هناك عبَّارة تنقل مسبِّب الحساسية الغذائية، فلن تعرف الخلايا البدينة الموجودة على الجانب الآخر بوجوده، ولن تستجيب ولن تسبب هذه الاستجابة التحسسية“.
وبالفعل، فإن دواءً معتمدًا لعلاج الربو، يدعى زيليوتون zileuton، حقق هذه النتيجة. إذ تقلصت ردود فعل الفئران تجاه مسببات الحساسية الغذائية (الفول السوداني في إحدى الدراسات، والبيض في الدراسة الأخرى) عند تناول زيليوتون.
تتعلق هذه النتائج فقط بردود الفعل التحسسية التي تسببها الأطعمة التي تصل إلى الأمعاء؛ أمَّا اللسعات والمواد المسببة للحساسية الأخرى فمن المحتمل أن تعمل بصورة مختلفة. على سبيل المثال، لا يبدو أنَّ المواد المسببة للحساسية التي تُحقن تعتمد على الليكوترينات لتنبيه جهاز المناعة، وفقًا لما يقوله ناثانيال باكتل Nathaniel Bachtel، عالم المناعة في جامعة ييل والمؤلف المشارك للدراسة البحثية الأخرى. كشفت هذه الدراسة أيضًا تفاصيل عن المجموعات المختصة من الخلايا البدينة التي تتكاثر في بطانة الأمعاء.
يقول باكتل: إنَّ تفاصيل كيفية تسبب المواد المسببة للحساسية في حدوث ردود الفعل معقدة للغاية وما تزال غير مفهومة جيدًا. ولكن تشير الدراستان إلى أنَّ الليكوترينات هي خطوات أساسية في ردود الفعل تجاه مسببات الحساسية الغذائية، مما يجعل هذه الجزيئات تستحق مزيدًا من الدراسة. ويقول: ”إنه أمر غريب نوعًا ما، وبالنظر إلى الماضي، أجد أنه من المفاجئ بعض الشيء أنَّ هذا المسار البحثي لم يُدرس بهذه الدقة“.
وتقول هاك: آلية عمل هذه العملية عند البشر غير واضحة في الوقت الراهن، ولكن هناك أسباب وجيهة للاعتقاد أنَّ الفئران والبشر متشابهون. ”تشير هذه البيانات بقوة إلى أنَّ إجراء دراسات على البشر يستحق المتابعة.“
تعمل آيزنبارث، بالتعاون مع آدم ويليامز Adam Williams، المشارك في الدراسة، وآخرين، على إجراء تجربة سريرية. وستكون الخطوة الأولى هي اختبار ما إذا كان الزيليوتون يؤثر على مدى فعالية جزيئات الفول السوداني في اجتياز الحاجز المعوي لدى الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه أطعمة مختلفة، وفقًا لويليامز، الباحث في علم المناعة في جامعة نورثوسترن. لأسباب تتعلق بالسلامة، سيدرس الباحثون في هذه الاختبارات الأولية الأشخاص الذين يعانون من الحساسية، ولكن ليس تجاه الفول السوداني.
ستستغرق التجارب اللازمة وقتًا طويلًا حتى تكتمل، لكن ويليامز متفائل، وهو يقول: ”نحن نحرز الآن تقدمًا أسرع من أيِّ وقت مضى في تاريخ أبحاث الحساسية. ولذلك، هناك أمل“.
إذا كان لديكم سؤال أو تعقيب على هذا المقال يمكنكم التواصل مع المحرر الطبي من خلال الاستمارة أدناه.