الرئيسة علومبيولوجيا المقال التجريبي رقم 52 في علوم

المقال التجريبي رقم 52 في علوم

0 تعقيبات 161 مشاهدة 7 دقائق قراءة

يُحاجج عالم فيزياء فلكية إيطالي في فكرة أنَّ علم الكونيات يمكن أن يحرز تقدمًا كبيرًا إذا أمكننا عبور الفضاء بسرعة تفوق بألف مرة سرعة الوقت الراهن. ويقترح، مستعينًا بحسَّابة، دفع مسبار ضئيل جدًّا عن طريق “قصفه بالليزر”… إنها فكرة تتماشى مع روح العصر.

السفر في الفضاء مسألة بسيطة، ففي معظم الأحيان، يكفي إعطاء دفعة كافية لتسريع مسبار حتى يعبر الفضاء بسرعة ثابتة، مع الاستعانة عند الضرورة بجاذبية الكواكب الموجودة في مساره لتسريعه. هكذا حصل تسريع المركبة الفضائية فوياجر 2 التي أُطلقت في عام 1977 بوساطة كواكب المشتري وزحل وأورانوس، مما أدى إلى تقليل مدة رحلتها إلى نبتون من ثلاثين عامًا إلى اثني عشر عامًا.

ولكن حتى مع تصميمها بعناية فائقة، لا تسمح المساعدة الجاذبية إلا بكسب بضعة كيلومترات في الثانية. كما أن الدفع الأولي، الذي يكون بوساطة محرك، لا يمكن أن يستمر طويلًا بسبب نفاد الوقود. سيستغرق الأمر أكثر من مئة ألف عام حتى تتمكن مركبة فضائية مثل فوياجر من الاقتراب من ألفا سنتوري، أقرب نجم إلينا خارج المجموعة الشمسية. ومع ذلك، لا يستغرق ضوء هذا النجم سوى أربع سنوات بقليل للوصول إلى مناظيرنا الفلكية، لأنه يعبر الكون بسرعة تقارب 300.000 كم/ثانية. ألا يمكننا السفر بسرعة تبلغ عُشر هذه السرعة أو حتى ثلثها؟ مهما بدا ذلك مستحيلًا، فإن البحوث تجري على قدم وساق.

كتلة الكون لن تكفي

يجب علينا إيداع محركات الصواريخ في المستودعات والتخلي عن الوقود لأنَّ هذا الطريق مسدود، فكلما زاد وزن الصاروخ زادت كمية الوقود اللازمة لتسريعه، وزاد وزنه… وهكذا دواليك. أجرى الفيزيائي الفلكي الإيطالي كوزيمو بامبي (Cosimo Bambi)  المختص في الثقوب السوداء في جامعة فودان في شنغهاي حسابًا بسيطًا. تخيلوا صاروخًا بكتلة جسيم واحد، بروتون: لكي يصل إلى 10% من سرعة الضوء باستخدام محرك تقليدي، سيحتاج إلى كمية من الوقود تفوق بكثير… كتلة الكون. كما ترون هذا أمر مستحيل! كوزيمو بامبي استخدم آلة حاسبة لأنه يحلم، مثل العديد من علماء الفيزياء الفلكية، بإرسال مسبار لزيارة ثقب أسود. وفكرة السفر بسرعة تقارب سرعة الضوء هي فكرة رائجة في الوقت الراهن. وصفته، التي يعترف صراحةً أنه ليس من اخترعها، هي الشراع. فمن المعروف منذ عقود أن الضوء الشديد يمارس قوة على ما يضيئه.

قصف ضوئي

في الثمانينيات من القرن الماضي، تخيل بعض الباحثين استخدام ”ضغط الإشعاع“ الناتج عن أشعة الشمس لدفع قوارب شراعية في سباق من الأرض إلى القمر. منذ ذلك الحين، اختبرت الأشرعة الشمسية بنجاح في الفضاء. وعلى الرغم من أن الفكرة قد تبدو جذابة للرحلات داخل المجموعة الشمسية إلا أنَّ شدة الإشعاع الشمسي ستتضاءل بقدر كبير بحيث لا تكفي لدفع مثل هذه السفينة الشراعية إلى ألفا سنتوري أو أي جسم بين النجوم.

الحل الذي وصفه كوزيمو بامبي كان مركبة صغيرة وخفيفة للغاية، رقاقة من السيليكون تزن غرامًا واحدًا ويعلوها شراع بمساحة بضعة أمتار مربعة. تعتمد قوة دفعها على ليزر فائق القوة قادر على إرسال نبضة ضوئية قوية للغاية إلى الشراع عند الإقلاع، وتبلغ سرعتها 10.000 ضعف سرعة الضوء (10.000 غرام). لا يمكن لأي كائن حي تحمل ذلك. ”يكفي ربع ساعة من الإشعاع لتصل المركبة إلى ثلث سرعة الضوء. يُعتقد أن هناك ثقوبًا سوداء على بعد 20 إلى 25 سنة ضوئية (AL) منا، على الرغم من أنها لم تُكتشف بعد.ربما توجد أدلة على وجودها بالفعل في الكتالوج الضخم للأجرام السماوية التي رصدها القمر الصناعي الأوروبي جايا Gaia، ولكن سيستغرق الأمر سنوات من البحث فيه لاكتشاف أي إشارات محتملة على وجود مادة ابتلعتها ثقوب سوداء قريبة. بسرعة 30% من سرعة الضوء، يمكن لمسبار أن يصل إلى هدف على بعد 25 AL في 75 عامًا فقط، وستصلنا أرصاده بعد 25 عامًا. إنها مهمة تستغرق نحو قرن من الزمان، ولكنها أكثر إثارة من رحلة تستغرق عشرات الآلاف من السنين!

الوقت الذي تستغرقه مركبة فضائية تنطلق بسرعة 30% من سرعة الضوء للوصول إلى هدف يبعد 25 سنة ضوئية.

عرض كوزيمو بامبي جميع هذه الحسابات في دراسة نُشرت في 2025.08.07  في مجلة iScience، مع توخي الحذر الشديد. ”أنا عالم نظري ولست مختصًّا في المسبارات الفضائية أو الدفع، لكنني أردت أن أذكر ما يمكن أن توفره رحلة إلى ثقب أسود ولا يمكن اكتشافه من الأرض.“ يتعلق الأمر على وجه الخصوص باختبار نظرية أينشتاين في النسبية بأقصى حدودها.

في حين أن تحقيق حلم كوزيمو بامبي سيستغرق عقودًا، يبدو تمويله في متناول اليد.

”مسار المسبار وحده هو الذي سيجيبنا على هذا السؤال الحاسم“، يؤكد عالم الفيزياء الفلكية. “لقد حصل اختبار النسبية العامة على نطاق واسع. ونفترض أنها ما تزال تنطبق في محيط الثقوب السوداء، لكن الطريقة الوحيدة للتأكد من ذلك هي الاقتراب منها. وهذا من شأنه، على سبيل المثال، تحسين النماذج المستخدمة لتفسير إشارات أجهزة كشف الموجات الثقالية”. وبالمثل، ستسمح الملاحظات عن قرب بتحديد أبعاد هذه الأجرام السماوية وحركتها المحتملة وكيفية تشكل الأقراص المادية التي تتدفق إليها وعملية تبخر بعضها – وقد اقترحها البريطاني ستيفن هوكينج في عام 1974، ولكن لم تُرصد قط.

هذا تحدٍّ تكنولوجي ولكنه ليس مستحيلًا

ما رأي زملاء كوزيمو بامبي والمختصين في مجال الدفع؟ في جامعة نامور (بلجيكا)، يجيب الفيزيائي الفلكي أندريه فوزفا (André Füzfa) بابتسامة. “ما أضحكني هو أنني وجدت الفكرة التي تستند إليها روايتي الخيالية*. إنها ليست خيالية تمامًا، حتى لو أنَّ زميلي لم يعمِّق حساباته بما فيه الكفاية. إنها ما يُسمَّى الدفع بالطاقة الموجهة، وهي فكرة تعود إلى اختراع الليزر في ستينيات القرن الماضي. وهي تتمثل في توليد وتوجيه حزم مكثفة من الطاقة الكهرمغنطيسية. وهي موجودة بالفعل لمكافحة أسراب الطائرات من دون طيار أو تدمير الأقمار الصناعية”.

يؤكد أندريه فوزفا أنه لن يكون تطبيق هذا المبدأ على الملاحة بين النجوم بالأمر الهيِّن. ”لإطلاق شراع وزنه غرام واحد بسرعة قريبة من سرعة الضوء، يجب تزويده بطاقة تعادل طاقة قنبلة هيروشيما“. ولذلك، يجب إيجاد مادة عاكسة ولا تمتص سوى جزء ضئيل من الضوء. “إذا امتصت شريحة من هذه الطاقة تبلغ جزءًا من المليون فمن المحتمل أن يبدأ الشراع في الذوبان؛ سيكون من الضروري استخدام مادة مقاومة للحرارة، قادرة على البقاء مستقرة عند 1000 درجة مئوية”، يؤكد إيغور بارغاتين (Igor Bargatin)، أستاذ الميكانيكا في جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة)، أحد صانعي مشروع Starshot الأمريكي، الذي يهدف إلى تطوير أسطول من المسبارات المجهرية القادرة على زيارة ألفا سنتوري في غضون عشرين إلى ثلاثين عامًا. وهي مبادرة أطلقها ستيفن هوكينج عام 2016، بتمويل من الفيزيائي ورجل الأعمال يوري ميلنر ومارك زوكربيرج، مؤسس شركة ميتا ورئيسها. ويؤكد إيغور بارغاتين أنَّ ”فكرتنا عن الأسطول هي طريقة لضمان وصول مسبار واحد على الأقل إلى وجهته“.

ينبغي أيضًا تحديد الهدف بدقة وعلى مسافة بعيدة. «ستنتهي مرحلة التسارع بالقرب من كوكب المشتري»، يحذر أندريه فوزفا. «وستتحمل المركبة تسارعًا يبلغ 10.000 جي! لكن هذا ليس مستحيلًا، فمشروع كهذا يمكن تحقيقه خلال هذا القرن إذا توفرت الموارد اللازمة».

تواجه هذه الرحلات بين النجوم عقبة كبيرة أخرى، بمجرد إطلاق المسبار بجزء من سرعة الضوء ينبغي عليه الإبطاء عند الوصول ليدخل في مدار حول هدفه. عادةً ما يحصل التباطؤ باستخدام الوقود، وهو حلٌّ غير قابل للتطبيق، كما رأينا. يقترح أندريه فوزفا: ”بالقرب من نجم، يمكننا استخدام ضوءه لإبطاء الشراع. إذا كان نجمًا أسود، يمكننا الاقتراب من أفقه لكي يلتقط المسبار. لقد أجريت حسابات تشير إلى أنه يمكننا أيضًا الالتفاف حوله والعودة“. في حالة ثقب أسود صغير، يبلغ حجمه حوالي 10 أضعاف كتلة الشمس وقطره 30 كيلومترًا سيستغرق مثل هذا التحليق أقل من ثانية. وهذا لا يترك سوى القليل من الوقت لاختبار النسبية العامة!

تكلفة تعادل تكلفة تلسكوب جيمس ويب

«يدور النقاش عن ما إذا كان بإمكان هذه المهام منافسة الطرائق الفنية الأرضية التي يجري تطويرها. ولكن مع الاقتراب، يمكن دراسة تبخر الثقوب السوداء أو التحقق من الفارق الزمني المرتبط بالتسارع». في الواقع، أي جسم متسارع يرى الوقت يمر بقدر أبطأ من المراقب الذي يتحرك بسرعة ثابتة. الوقت يتوسع. على سبيل المثال، نلاحظ أنه يمر أسرع على قمة جبل منه عند مستوى سطح البحر، لأنَّ تسارع الجاذبية الأرضية أقلُّ في المرتفعات منه على الأرض. يمكن التحقق من ذلك في ظروف مستحيلة بخلاف ذلك باستخدام ساعة ذرية مصغرة للغاية بسرعة تبلغ 30% من سرعة الضوء.

في حين أنَّ تحقق حلم كوزيمو بامبي سيستغرق عقودًا، يبدو تمويله في متناول اليد، حيث يقدر صانعو Starshot تكلفة مشروعهم بنحو عشرة مليارات دولار. ”كان هذا سعر تلسكوب جيمس ويب الفضائي“، يذكِّر أندريه فوزفا. “علاوة على ذلك، ستكون لمثل هذه الرحلة آثار تكنولوجية هائلة. على سبيل المثال، تطوير أنظمة دفاع كوكبية لتحويل مسار الكويكبات التي تشكل تهديدًا. ناهيك عن إمكان بناء مسبارات تزن عدة آلاف من الأطنان قادرة على عبور النظام الشمسي في غضون أسابيع قليلة – بسرعة أقل بكثير من السرعة التي تصل بها إلى النجوم، لأنَّ المسافات التي يجب قطعها أقل بكثير”.

أدخل تعقيبك

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?

نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين استخدامك للموقع فقط. نفترض أنك موافق على ذلك، ولكن بوسعك إلغاء موافقتك إن كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد...

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط

متصفحك مفعِّل لمانع الإعلانات!

شكرًا لدعمك لبوابة العلوم والتقانات من خلال تعطيل مانع الإعلانات!